بقلم: محمد علي العويني – مستشار
تطوير الأعمال
يظن البعض أن امتلاك فكرة
مبتكرة أو رأس مال كافٍ هو الضمان الأكبر للنجاح. لكن الواقع الميداني يروي قصة
مختلفة تمامًا. خلال سنوات عملي كمستشار لتأسيس وتطوير المشاريع، رأيت مشاريع
واعدة تنهار قبل أن تبدأ، وأخرى بسيطة تنمو بثبات وتحقق نجاحًا استثنائيًا. الفرق؟
لم يكن في الموارد، بل في الفهم العميق للسوق واتخاذ القرارات المبنية على
اختبارات وتجارب حقيقية.
قصة مصنع العناية بالبشرة: من
الاندفاع إلى النجاح المنهجي
أحد رواد الأعمال تواصل معي بحماس كبير لتأسيس
مصنع متخصص في إنتاج مستحضرات العناية بالبشرة والشعر. كانت رؤيته أن السوق متعطش
لمنتجات محلية بجودة عالية، وقد خصص ميزانية معتبرة للبداية. سألته: هل اختبرت هذه
المنتجات مع الجمهور المستهدف؟ هل درست حجم المنافسة، وتفضيلات العملاء،
ومتطلباتهم من حيث الجودة والسعر والتغليف؟
للأسف، لم يكن لديه أي إجابة واضحة. كانت الخطة
أن يُنتج أولًا، ثم يسوّق لاحقًا. نصحته بأن يعكس المعادلة: أن يبدأ باختبار
المنتجات على شريحة صغيرة من العملاء المحتملين، يجمع آراءهم، ويُجري التحسينات
قبل أن يُنشئ المصنع.
بعد فترة من الاختبارات، جاءت النتائج مفاجئة له:
- بعض
المنتجات لم تلقَ قبولًا من العملاء لضعف تأثيرها أو رائحتها.
- بعض
التركيبات احتاجت إلى تحسين جذري.
- التغليف
لم يكن جذابًا.
بناءً على هذه المعطيات، أعاد الرجل بناء خطة
الإنتاج، واستعان بخبراء في التغليف والتسويق، ثم أنشأ المصنع، وكانت الانطلاقة
قوية، وأثبت المنتج نفسه بسرعة في السوق.
هذه التجربة ليست مجرد قصة نجاح، بل دليل على أن
"الاختبار قبل الاستثمار" هو القاعدة الذهبية في أي مشروع.
شركة ملابس... وضياع الملايين بسبب
تجاهل الشريحة المستهدفة
في المقابل، عملت مع شركة قائمة ولديها سجل ناجح
في التجارة العامة، لكنها قررت الدخول إلى مجال الأزياء الجاهزة. استوردت كميات
كبيرة من الملابس من الخارج، وفقًا لمعايير ومقاسات أجنبية، دون دراسة دقيقة
لطبيعة السوق المحلي واحتياجاته.
حين طرحت المنتجات في السوق، كانت الصدمة:
- المقاسات
لا تناسب معظم العملاء.
- التصاميم
لا تعكس الذوق المحلي.
- التسعير
لم يكن متوازنًا مع القيمة المتوقعة.
النتيجة؟ بضاعة راكدة، وتخفيضات كبيرة، وخسارة
وصلت إلى ملايين الريالات. هذه الشركة كان لديها رأس المال، وسلاسل توريد، وحتى
اسم معروف، لكنها أغفلت الخطوة الأهم: دراسة السوق والمنافسين وفهم العميل بدقة.
الفكرة وحدها لا تكفي… السوق هو
الحكم
لقد رأيت مرارًا وتكرارًا أن المشاريع لا تسقط
لأن فكرتها ضعيفة، بل لأن مؤسسيها لم يختبروها مبكرًا بما يكفي.
- كم
من مشروع بدأ بتصميم شعار قبل أن يعرف من يخدم؟
- كم
من مؤسس صرف الآلاف على تغليف منتج لم يجربه عميل واحد؟
- كم
من تطبيق أُطلق دون فهم ما إذا كان العميل مستعدًا للدفع أو لا؟
3
قواعد
ذهبية من خبرتي الميدانية:
1. ابدأ من العميل، لا من المنتج. لا
تُنتج شيئًا لأنك تحبه، بل لأن السوق يحتاجه.
2. اختبر مبكرًا، وغيّر سريعًا. لا
تنتظر أن تُتقن كل شيء من أول مرة. الفكرة أن تتعلم من ردود الفعل، وتعدّل في
الطريق.
3. اعتمد على بيانات حقيقية، لا على التوقعات. مشاعر
المؤسس، وحماسه، لا تكفي. قرارات العمل يجب أن تبنى على تجارب، استبيانات،
مقابلات، ونتائج فعلية.
الخلاصة: بين التخطيط والاندفاع فارق
كبير
ريادة الأعمال الناجحة لا تبدأ بخط إنتاج، ولا
بشحن أول دفعة من البضاعة، بل تبدأ بفهم العميل، واختبار الفكرة، وجمع الملاحظات،
ثم التحرك التدريجي.
إذا كنت تفكر في مشروع جديد، اسأل نفسك:
- هل
اختبرت الفكرة فعليًا؟
- هل
تحدثت مع عملائك المحتملين؟
- هل
عدّلت شيئًا بناءً على ردود الفعل؟
ابدأ صغيرًا، تعلّم سريعًا، ووسّع على أساس
حقيقي. هذه هي القاعدة التي أنقلها لكل من أعمل معه، وأراها تتكرر كل مرة.
-----------------------------
في
المقال القادم إن شاءالله، سأتناول أدوات عملية لاختبار الأفكار قبل تأسيس المشروع، وأشاركك
خطوات تصميم نموذج أولي (MVP) فعال بأقل التكاليف، بناءً على خبرات
ميدانية حقيقية.
هل تفكر في إطلاق مشروعك؟ تريث، واختبر، ثم قرر.