نظرية الحصان الميت: درس في اتخاذ القرارات الحاسمة داخل الشركات


في حياتنا المهنية، كثيرًا ما نجد أنفسنا أو مؤسساتنا أو شركاتنا متمسكين بأفكار أو أساليب أو حتى مشاريع لم تعد مجدية، ولكننا نستمر في التمسك بها، ربما خوفًا من التغيير أو لعدم وجود رؤية واضحة لما يجب فعله بعد ذلك. قصة "نظرية الحصان الميت" التي تعود إلى إحدى قبائل الهنود الحمر تقدم لنا درسًا بليغًا في هذا السياق.

تحكي القصة عن حكمة متوارثة لدى إحدى قبائل الهنود الحمر، حيث يقولون:
"عندما تكتشف أنك تركب حصانًا ميتًا، فإن أفضل استراتيجية هي النزول عنه."

ورغم بساطة هذا الحل، إلا أن العديد من المؤسسات أو الشركات تتبنى استراتيجيات ملتوية وغير فعالة للتعامل مع "الحصان الميت"، مثل:

- تغيير الفارس بدلًا من تغيير الحصان.

- شراء سوط أقوى لتحفيز الحصان.

- عقد لجان لدراسة حالة الحصان.

- خفض معايير تقييم الأداء.

- التباهي بتوفير التكاليف لأن الحصان الميت لا يحتاج إلى طعام.


في الشركات، "الحصان الميت" قد يتمثل في:

- مشروع قديم يستنزف الموارد دون عائد يُذكر.

- سياسة إدارية عفا عليها الزمن.

- منتج لم يعد يلبي احتياجات السوق.

- طريقة عمل تقليدية في عصر التحول الرقمي.

لماذا نخشى النزول عن الحصان الميت؟

1. الخوف من التغيير: يُفضل كثيرون البقاء في منطقة الراحة، حتى لو كانت غير مجدية.

2. الإنكار: الاعتقاد بأن الأمور قد تتحسن مع الوقت، رغم كل الأدلة على عكس ذلك.

3.  المسؤولية الجماعية: عندما يتورط عدد كبير من الأشخاص في مشروع ما ، يصبح من الصعب الاعتراف بفشله.

4.  البيروقراطية: ميل المؤسسات لتأجيل القرارات الحاسمة أو معالجتها بأساليب معقدة وغير فعالة.



دروس مستفادة من أمثلة واقعية:

- شركة كوداك (Kodak): تمسكت كوداك بالكاميرات التقليدية ورفضت التحول إلى التصوير الرقمي حتى بعد ظهور التكنولوجيا، مما أدى إلى تراجعها وخروجها من السوق تقريبًا.

- نوكيا (Nokia): رغم ريادتها في صناعة الهواتف المحمولة، فشلت نوكيا في التكيف مع نظام الهواتف الذكية، مما جعلها تخسر موقعها القيادي.


كيف يمكن الاستفادة من القصة لتحفيز التغيير؟

يمكن استخدام القصة كنقطة انطلاق لإحداث تغيير جذري داخل المؤسسات عبر:

1.  إعادة تقييم الاستراتيجيات:

 مراجعة المشاريع والسياسات الحالية وتحديد "الأحصنة الميتة" التي يجب التخلي عنها.
واستخدم أدوات مثل تحليل SWOT لمعرفة نقاط القوة ونقاط الضعف والفرص المتاحة والتهديدات المحتملة أواستخدم  تحليل الأداء المالي لتقييم المشاريع والعمليات. 
اسأل: هل هذا المشروع يحقق أهدافه الاستراتيجية؟


2. تعزيز ثقافة الشفافية:

أنشئ بيئة تشجع الموظفين على الإبلاغ عن المشكلات دون خوف من اللوم، وعزز ثقافة قبول الفشل واعتباره فرصة للتعلم، وليس عائقا أمام التقدم.

3.  إدارة التغيير بشكل فعّال:

استخدم إطار عمل مثل نموذج "كيرت لوين" ( أذب الجليد، غيّر، أعد التجميد) لقيادة عملية التغيير.
تأكد من أن جميع الأطراف المعنية تفهم ضرورة التخلي عن المشروع أو المنتج أو الخدمة غير المجدية.

4. التخطيط للمرحلة التالية:

بعد التخلي عن "الحصان الميت"، ضع خطة واضحة لمشاريع أو منتجات أو خدمات بديلة.
استثمر الموارد في حلول مبتكرة ذات قيمة مضافة.


5. التعلم من الأخطاء:

قم بمراجعة شاملة لتحديد الأسباب التي أدت إلى "ركوب الحصان الميت".

وثّق الدروس المستفادة لتجنب تكرارها مستقبلاً.


دروس القيادة من النظرية

القادة الفعّالون يدركون أن اتخاذ القرارات الصعبة جزء أساسي من عملهم. لا يتعلق النجاح فقط بمعرفة متى تستمر، بل أيضًا متى تتوقف. ويقومون كذلك بتعزيز ثقافة اتخاذ القرارات الحاسمة، حتى لو كانت مؤلمة على المدى القصير، وبناء ثقافة الابتكار والتركيز على البحث عن حلول جديدة بدلاً من تحسين أساليب لم تعد مجدية.


الخاتمة: الجرأة مفتاح النجاح

"نظرية الحصان الميت" ليست مجرد قصة طريفة، بل دعوة لكل شركة للتوقف عن استنزاف مواردها في حلول ترقيعية، والاعتراف بالحاجة إلى التغيير، والتركيز على الابتكار والنمو المستدام. اتخاذ القرارات الحاسمة ليس ضعفًا، بل علامة على قوة القيادة ووضوح الرؤية.

تذكر دائمًا: التغيير يبدأ بخطوة جريئة، والنزول عن الحصان الميت قد يكون البداية التي تحتاجها لتحقيق أهدافك.



 

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال