بيبان 2025… حيث تُفتح أبواب المستقبل أمام رواد الأعمال

 

بيبان 2025… حيث تُفتح أبواب المستقبل أمام رواد الأعمال


 بقلم: محمد العويني –

حين تتجه أنظار العالم إلى التحولات الاقتصادية الكبرى في السعودية، يبرز "ملتقى بيبان" كأحد أبرز المحركات التي تجسد رؤية المملكة في بناء اقتصاد ريادي قائم على الإبداع والمعرفة. وبوصفي مهتما في مجال تطوير الأعمال حضرت فعاليات هذا الملتقى في نسخته لعام 2025، أستطيع القول إن "بيبان" هذا العام لم يكن مجرد حدث اقتصادي، بل منصة وطنية متكاملة تجمع الطموح والرؤية والتطبيق في مكان واحد.


الانطباع الأول: حين يتحول التنظيم إلى تجربة فكرية

في بيبان، لا تدخل قاعة بل تدخل “رحلة”.
ثمانية أبواب ترمز إلى مسارات النمو الريادي: الابتكار، التمويل، النمو، السوق، التقنية، الامتياز التجاري، الصناعة، والاستدامة.
كل باب منها كأنه فصل من كتاب عملي لريادة الأعمال، يدعوك لتكتشف، تتساءل، وتعيد التفكير في فكرتك التجارية من جديد.

ما شدّني هو أن الملتقى لم يكن مجرد تجمع للمشاريع الناشئة، بل تجسيدٌ لوعيٍ وطني متكامل يرى في كل رائد أعمال جزءًا من مستقبل الاقتصاد السعودي.

تنظيم الفعاليات كان دقيقًا، يعكس احترافية الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة (منشآت)، وتعاون الجهات الحكومية والخاصة. كل جناح صُمم بعناية ليحكي قصة، وكل متحدث جاء ليضيف فكرة قابلة للتطبيق، وليس مجرد عرض نظري.


الابتكار في قلب المشهد

في جناح الابتكار، كانت الطاقة الإبداعية تُلهم الجميع.
شركات ناشئة تقدم حلولًا ذكية في الذكاء الاصطناعي، وتحليلات بيانات، وخدمات لوجستية تعتمد على الخوارزميات.
لكن الأجمل أن الابتكار لم يُطرح كترفٍ تقني، بل كأداة إنتاجية لحل مشكلات حقيقية وزيادة كفاءة الأعمال.

رأيت شبابًا سعوديين يناقشون مشاريعهم التقنية بثقة ومعرفة عميقة — لم يعد الابتكار حكرًا على الشركات العالمية، بل أصبح لغة جديدة لريادة الأعمال السعودية.


بيئة ريادية تنضج بثبات

وأنا أتجول بين الأجنحة، لاحظت نضجًا لافتًا في طريقة تفكير رواد الأعمال الجدد.
لم تعد المشاريع قائمة على الحماس فقط، بل على دراسة جدوى حقيقية، ونموذج عمل متماسك، وفهم دقيق للمؤشرات المالية.

كان واضحًا أن البرامج التي أطلقتها "منشآت" وصناديق التمويل الوطنية خلال السنوات الماضية بدأت تؤتي ثمارها، فجيل اليوم يتحدث لغة الأرقام والتخطيط لا لغة الأمنيات.


فرص تتجاوز التوقعات

في إحدى الجلسات التي حضرتها، دار الحديث حول الاقتصاد الإبداعي كيف يمكن للفنون، والألعاب الإلكترونية، وصناعة المحتوى أن تصبح قطاعات استثمارية مزدهرة.
هذه الرؤية فتحت أمام رواد الأعمال مساحات جديدة لم تكن موجودة قبل سنوات قليلة.

كما تحدثت شركات كبرى عن رغبتها في الشراكة مع الموردين المحليين ضمن مبادرات "توطين سلاسل الإمداد"، ما يخلق فرصًا غير محدودة للشركات الصغيرة السعودية لتصبح جزءًا من منظومة الإنتاج الوطني.


التمويل لم يعد هدفًا… بل وسيلة ذكية للنمو

ركن التمويل في بيبان 2025 كان بمثابة "مختبر ابتكاري" جديد.
منصات رقمية تجمع المستثمرين بالرواد مباشرة، وبرامج تمويلية تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتقييم الجدارة الائتمانية.

لكن التحول الأكبر الذي لمسته هو انتقال مفهوم الدعم من “المنح” إلى “التمكين.
فاليوم، الجهة الممولة لا تكتفي بتقديم رأس المال، بل ترافقك في رحلتك بالتدريب، والإرشاد، والتقييم المستمر.


الصناعة والاستدامة: توازن النمو والوعي

لم يكن جناح الصناعة مجرد استعراض لمنتجات، بل منصة لتقنيات المستقبل.
شركات سعودية صغيرة عرضت كيف تحولت مصانعها إلى بيئات مؤتمتة تستخدم الذكاء الاصطناعي في ضبط الجودة والإنتاج.

في المقابل، تحدثت جلسات أخرى عن الاستدامة البيئية، وكيف يمكن للمشاريع أن تنمو دون أن تُثقل كاهل البيئة — لتتحول الاستدامة من شعار بيئي إلى ميزة تنافسية استراتيجية.


لحظات إنسانية لا تُنسى

ما يميز بيبان ليس فقط فخامة المكان أو نوعية المشاركين، بل ثقافة الحوار والانفتاح.
شاهدت رائد أعمال شابًا يعرض فكرته أمام مستثمر مخضرم، بينما كان الحضور يناقشون التحديات بصدق دون تكلّف.

كانت تلك المشاهد تختصر جوهر الملتقى: نمو جماعي مبني على مشاركة المعرفة.
في بيبان، لا أحد يحتكر الخبرة، الكل يتعلم من الكل.


دروس من بيبان لكل رائد أعمال

1.     ابدأ من المشكلة لا من الفكرة.
الحلول التي تولد من احتياجات حقيقية تعيش طويلًا.

2.     صمم نموذج عمل مرنًا ومبسطًا.
التعقيد الإداري يقتل المشاريع في بدايتها.

3.     راقب مؤشراتك الرقمية يوميًا.
النجاح لا يُقاس بالحماس، بل بالأرقام.

4.     كوّن شبكة علاقات ذكية.
الشراكات ليست رفاهية، بل رافعة استراتيجية.

5.     استثمر في مهاراتك الشخصية.
مشروعك لا يمكن أن ينمو أكثر من مستواك أنت.

6.     ابحث عن مستشارك قبل أن تبحث عن ممولك.
التخطيط الخاطئ أخطر من نقص التمويل.

7.     ضع رؤية طويلة المدى.
لا تكن أسير يومك التشغيلي؛ فكر في أين تريد أن تكون بعد ثلاث سنوات.


بيبان.. أكثر من ملتقى

وأنا أغادر القاعة، شعرت أنني لا أغادر حدثًا مؤقتًا، بل أغادر نقطة انطلاق نحو مرحلة جديدة من الوعي الريادي في المملكة.
بيبان هذا العام أثبت أن ريادة الأعمال في السعودية لم تعد هواية أو تجربة فردية، بل منظومة وطنية ناضجة تدفع عجلة النمو والتنوع الاقتصادي.

ومن وجهة نظري كمستشار تطوير أعمال، فإن أعظم ما يقدمه بيبان هو “تحويل الشغف إلى استراتيجية، وتحويل الأفكار الفردية إلى كيانات اقتصادية قادرة على المنافسة عالميًا.


كلمة للجيل القادم من رواد الأعمال

إلى كل من يحلم ببناء مشروعه القادم:
لا تنتظر اللحظة المثالية، بل اصنعها.
بيبان ليس مجرد حدث سنوي، بل مرآة تعكس صورة المملكة الجديدة:
مملكة تؤمن بأن الريادة ليست حكرًا على أحد، بل فرصة متاحة لكل من يملك فكرة، رؤية، وإصرارًا على تحقيقها.


 




إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال